هو ألما بن المصطفى بن محم سعيد، العالم الشاعر الأديب رائد النهضة الشعرية في بلاد شنقيط، المعروف بألما العربي وألما الشاعر, وذلك لجودة شعره وشدة تماهيه مع العرب الأقحاح الأقدمين، كان يقول الشعر سليقة. أخذ العلم عن كل من العلامة الشيخ أحمذو بن ألفغ المختار بابو، وابن عمه العلامة الشيخ محمد اليدالي بن المختار بن محم سعيد. وكان ساعد محمد اليدالي الأيمن فى جميع المواقف السياسية والثقافية. ولم تذكر المصادر المتوفرة تاريخ وفاته، إلا أنه توفي بعد اليدالي قطعا لأنه رثاه. وهو دفين "الطَّرْحَ" مع أخيه نختارُ أول من أدخل الشاذلية للقبلة وأول دفين فيها، ومعهما الصالح المشهور والطبيب أَبَيْ بن الشرغي رحم الله الجميع. يقول العلامة المختار بن جنكي في نظم المدافن:
وَزُرْ أَلُمَّا ثُمَّ زُرْ نَخْتَارُ=وَمَعْهُمَا أَبَيْ هُوَ الْمُخْتَارُ
صَلاَة تَنْدَكْسَمِّي حَيْثُ النَّجْدُ=أَيْ رَأْسه الْيَسَارِي سَمْتًا يَبْدُو
وأمه غاديجة بنت أعديج بن سيد الفال. وقد انقطع نسله، وأولاده: محمذن وأعمام واحميدات، فمن محمذن منهم: آزكيمير، ولأعمام ولده: الأمين وانقطع نسله. ومن احميدات: محمذن والمختار وانقطع نسله أيضا. يقول العلامة: أحمد سالم بن ببكر بن الإمام اليدالي:
وَانْسُبْ لِذِي البلاَغَةِ الْمُجِيدِ = لُمَّا سَلِيلِ الْمُصْطَفَى السَّعِيدِي
مِنْ ابْنَةِ النَّدْبِ حَبَلَّ الْفَاضِلِ=سَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ ذِى الْفَوَاضِلِ
بِنْتَيْنِ مَعْ ثَلاَثَةٍ أُبَاة=مُحَمَّذِن أَعْمَام احْمَيْدَات
ومن درر شعره -وكله درر- أبياته الشهيرة التي قالها إرضاءً لأم هانئ منت عبد الله بن بارك الله بن أبي زيد بعد مشاعرة وقعت بين الحيين كان هو قائد لواءها، فلما أراد زوجها وهو محم بن الغلاوي بن الفاضل بن باب أحمد الديماني –وهو ابن خالة ألما لأن كلا منهما أمه منت اعديج بن سيد الفالل- أن يسير بها إلى أهله قالت له: إني لا أرحل إلى قوم يهجون أهلي. فأرسل محنض إلى ابن خالته ألمَّا أن يأتيه للتوسط في إقناع زوجته لترحل معه فلم يستطع الذهاب وأرسل مع الرسول هذه الأبيات الرائعة والتي سارت بها الركبان:
قَدْ هَجَتْنَا بَنُو أَبِي الْقُطْبِ زَيْدٌ= وَلَنَا فيِ الْهِـــجَا يَدٌ أَوْ َيدَانِ
فصَفَحْنَا يا أمَّ قُطْرُبَ عَنْـــهُمْ=وثنينَا عنْهم عِنان اللسَانِ
وَعَفَوْنَا عَنْ ذَنْبِهِمْ وَأَجَـــرْنَا=مِنْهُمُ مَنْ أَجَرْتِ يَا أمَّ هَانِي
وقد أشار فيها للحديث الشريف ونصه: "عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى".
وقد نظم العلامة أحمدو بن اتاه بن حمينَّ هذه القصة بقوله:
فمنهمُ العربِ أَلُمَّا الشاعرُ= وشعرهُ وفدُ تشمش السائر
بينهمُ بينَ بنِي باب أحمدِ= وآل باركللَّ أهلِ السؤدد
لما أبت زوجة محمِ المجي= لِمِا ادعت من أن حيَّها هُجي
وهي أم هانئ بنت النبيهْ= عبد الإلهِ نجلِ باركللَّ فيه
فقام محمُ ابنمُ الغلاوي= مستنصرا كما يقول الراوي
في ذا ألُمّا وهو نجل خالته= فقال شعرا فائقا كعادته
أظهر فيه الكَفَّ بعد المقدِرَهْ= عن كلِّ ما يؤذي أُلاَكَ الْخِيَّرَهْ
وان من تجير أُمَّ هاني= نُجِيرُهُ كَعَمَّةِ الْعَدْنَان
وإذ أتى الشعر لأم قطربِ= ارتحلتْ والشمسُ لمَّا تغْرُبِ
وهم أن يلقي له العمامهْ= محمد اليدالي واهتمامَه
صرفه عنه ادِّكَارٌ جارِ= لقول هذا "فَدَمُ الفُجَّارِ"
وأشار في البيتين الاخيرين إلى ما نقل عن ألما العربي أن اليدالي قال له مرة؛ و كان معجبا به: لقد هممت أن أنزع لك عمامة الشعر عني، لكن تذكرت بيتين قد قلتهما لا تستطيع أنت أن تقولهما، يعني قوله في ميميته:
فَــــدَمُ الْــفُــجَّــارِ جَـــارٍ=وَنجـــِيـــعُ الْـــهَــــامِ هَــــامِ
كَامِلُ الْأَوْصَافِ صَافٍ= وَافِـــرُ الْأَقْـــسَـــامِ سَـــامِ
ومن درر شعره: مرثيته لشيخه العلامة أحمذو بن ألفغ المختار بابو دفين "تنتردل" وهي أم ا لقرى الحالية قرب واد الناقة:
دَعِ الْعَيْـنَ فِـيمَـا نَالَهَا تَهْملِ الدَّمْعَا=وَسَلّطْ لَهِيبَ الْحُزْنِ سَوْطًا عَلَى الأَمْعَا
وَلاَتـَالُ جـُهْدًا فى الـتَّـأَسُّفِ وَالْـبُكَا=وَلاتُعِرِ الْعُذَّالَ لَحْظًا وَلاَ سَمْعَـا
كـَـأَنَّ وَتَأْتـِي لِـلْـحَـقِـيقَةِ أَحْـمَدًا=عَلَى الأَرْضِ لَيْسَ الْيَوْمَ فِى أَرْضِنَا يَسْعَى
فَـمَنْ لِلُغَى وَالْحِلْمِ وَالْعِلْـمِ بَعْدَهُ=وَمَنْ يَزْجُرِ الْعَاصِي وَمَنْ يحْسِن الشَّرْعَا
فَـتًـى عَـاشَ وَتْرًا فِى الْمَـكَارِمِ وَالْـعُلاَ=زَمَـانًا إلَى أَنْ مَاتَ مَـاوَجَدَ الـشفْعَا
لـَهُ جُــرْدُ فـَهْـمٍ لَــمْ تَـدْعْ صَلْدَ مُـشْكِلٍ =مِـنِ الْعِلْمِ إِلاَّ قـَـدْ أَثَـرْنِ بِـهِ نَـقْعًا
وَمَا لَسَعَتْ مِنْهُ الْمُرُوءَةُ مُذْ نَشَا=وَشَدَّ إِزَارَ عَقْرْب الذَّمِّ وَالأَفْعَا
فَلَوْ قَبِلَ الْمَوْتُ الْفِدَا لَفَدَيْتُهُ=بِمَا ظَلَّتِ الْخَضْرَا وَمَا تَحْمِلُ الدَّقْعَا
ومن درر شعره أيضا: هذه الأبيات التي قالها في رثاء شيخه الشيخ محمد اليدالي، وقد ذكر فيها مكانته، ودوره في المجتمع، وعظم الرزء بموته، يقول فيها:
غَـدَوْتِ يَا بِـيرُ وَالْأَنْـوَارُ تَعْلُوكِ = وَاهْـتَـزَّ نَـبْتُ رُبَاكِ أَوْ مَــغَــانِيكِ
لَــمْ نَــدْرِ مَا السِّـرُّ كُنَّا فِــي تَـسَـمِّيكِ=ذِي الـشَّـمْـسِ حَـتَّى دَفَنَّاهُ حَـوَالـِيكِ
قَـدْ كُـنْــتِ مَهْجُورَةً فِي النَّاسِ فَابْتَدَرَتْ = تَزُورُكِ الـصَّالِحُونَ أَوْ تُحَـيّــِيكِ
بِمَدْفَنِ الْقُطْبِ قَدْ خُصِصْتِ فَافْتَخِرِي =عَـلَى الْـبـِئَـارِ فَـمَـا بِـئْـرٌ تُوَازِيـــكِ
وقد ذكر ألما في مرثيته هذه مكان دفن الشيخ محمد اليدالي، فهو عند بئر الشمس، وتعرف بانتوفكت، يقول امحمد بن أحمد يوره عند كلامه عن انتوفكت: "انتافكت وتافكت بالبربرية الشمس، أي بئر الشمس، وهي في طرف إكيدي الجوفي، وبها المقبرة التي فيها سيدنا وقدوتنا وشيخ أشياخنا سيدي محمد بن سعيد اليدالي مؤلف الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز".
ومن درر شعره: هذه الأبيات التي قالها في الرد عن شيخه الشيخ محمد اليدالي وذلك لما قال فيه البعض ما لا يليق بمقامه والحال أن محمد اليدالي غائب فقال ألُمَّا:
نُبِّئْتُ ذَمَّ الْوَلِيِّ الْعَالِمِ الصُّوفِي=يَنْتَابُهُ كُلُّ مَجْرُورٍ وَمَعْطُوفِ
دَعُوا كَرِيمًا عَنِ السَّفْسَافِ مُنْصَرِفًا=وَعَنْ طَرِيقِ الْمَعَالِي غَيْر مَصْرُوفِ
فَكَمْ هَزَمْتُمْ بِهِ جَيْشَ الْعَوِيصِ كَمَا=أَلِفْتُمُ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
هَلاَّ حَكَيْتُمْ بَدِيلَ الْهَجْوِ سِيرَتَهُ=وَبَذْل مَجْهُودِهِ فِي كُلِّ مَعْرُوفِ
وَصَرْفَهُ فِي السنينَ الشُّولَ مُحْتَسِبًا=لله فِي كلِّ مجهُودٍ وَمَلْهُوفِ
أَوْ نَحْو مَا عَامَلَ الْجُهَّال مُمْتَثِلاً=لِلصَّفْحِ لاَ عَنْ تَكَبًّرٍ وَلاَ خَوْفِ
أَوْ نَحْو مَا اسْتَنْبَطَ الْعِلْمَ النَّفِيسَ مِنَ الأَنْــ=ـسَابِ وَالْفِقْهِ وَالتَّوْحِيدِ وَالصُّوفِ
هَلاَّ جَعَلْتُمْ مَكَانَ هَجْوِ سَيِّدِكمْ=أَنْ تَقْرَؤُوا مَا لَهُ مِنَ التَّوَالِيفِ
فَذَاكُمُ الْمَجْد إِنْ رُمْتُمْ حَقِيقَتَهُ=فِي حَقِّنَا لاَ بِحَدِّ الرُّمْحِ وَالسَّيْفِ
ولما سمع الشيخ محمد اليدالي هذه الأبيات أقسم على ألمَّا أن يجعل الهجو مدحا فقال:
النَّاسُ يَسْتَسْمِنُونَ الْيَوْمَ ذَا وَرَمِ=فَصَارَ نَفْخُهُمُ فِي غيرِ مَا ضَرَمِ
لنْ يبلغ الجَهْلُ بِي وَاللَّحْنُ أَنْ تَرَنِي=أَجُرُّ مِثْلَ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ الْعَلَمِ
ومن درر شعره: قصيدته الرائعة التي يمدح بها ابن النجيب الحاجي والتي مطلعها:
عَجلْتُ عَنِ التَّشَاغُلِ بِالنَّسِيبِ=لِمَا قَدْ مَسَّ قَوْمِي مِنْ لُغُوبِ
وهي قصيدة طويلة رائعة. وفيها يقول البيت الشائع الذي يحكي العلامة المؤرخ أحمدسالم بن باكا في كتابه: "تاريخ إمارة أولاد أحمد بن دمان" أن العلامة مولود بن أحمد الجواد قال: إنه لا يستطيع أن يقول شيئا لقبيلة شاعرها يلعب "هِيبْ" في شعره، والبيت هو:
فَصِرْنَا مِنْ حَرَابَتِهِمْ حَيَارَى=كَأَحْوَالِ الْمَدُورِ بِهِ بِــ"هِيبِ"
و"هِيبْ" لعبة شعبية معروفة.
ومن درر شعره هذه الأبيات :
بَيْتٌ مِنَ الأدْمِ كَالْمَصْنُوعِ مِنْ ذَهَب=لله مَا فِيهِ مِنْ حَذْفٍ وَإِثْبَاتِ
كَأَنَّ مثبتهُ صُنْعُ الْمُهَنْدِسِ فِي=شَكْلٍ وَمَحْذُوفه أَذْنَاب حَيَّاتِ
مُربَّعٌ بِكَعَيْنِ الدِّيكِ مِنْ نُقَطٍ=تَرُوقُ أَوْ كَالْيَوَاقِيتِ الْيَتِيمَاتِ
وَمِنْ تَزَخْرُفِهِ خَطَّانِ فِيهِ عَلَى=حَدِّ السَّوَاءِ كَعَارِضٍ بخندَاةِ
وقد ضاع الكثير من شعر هذا العلَمِ البارز والشاعر المفلق، ومن عنده شيء منه نطلب منه أن يتحفنا به مشكورا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق