الجمعة، 20 مايو 2016

محمد بن سيدي بن حمينَّه المعروف ب: باباه

ترجمة للمرحوم محمد بن سيدي بن حمينَّه المعروف ب: باباه ـ رحمهم الله ـ 
I - نسبه: 
هو محمد "باباه" بن سيدي بن اليدالي (حمينا) بن سعيد بن بباه "الفاضل"بن ألفغ المختار باب بن محمد الامين بن عمر بن علي بن يحيى بن يداج . 
أمه السيدة أمات بنت المختار بن الزيغم بن عاش قرنا (أشقرن) بن محمد بن ألفغ المختار باب، فهي من البطن الذي ينتمي إليه والده، . 
II – مولده ونشأته: 
ولد سنة 1301هـ/1883م، في انعيمات ، وفي لبريصه بالتحديد التابعة إداريا لمقاطعة المذرذرة. 
ولد الشاعر من أبويه السالفي الذكر وتربى في كفالتهما، وكانا يتعهدانه بالتدريس ويحثانه عل التعلم، كما كانت الأسرة التي يتنمي إليها معروفة بالعلم فقد كان والده عالما وشاعرا مفلقا بالحسانية وأما جده "حمينه"(ت1288هـ)كان عالما جليلا مشهورا مثل أخويه:إمام والمختار وهم بذلك قد خلدوا محظرة أبيهم الصالح العلامة الورع سعيد بن بباه وهكذا إلى هلم جرا 
كما كان الحي الذي ينتسب إليه غاية في العلم والورع والالتزام، ألا وهو حي آل ألفغ المختار باب، حيث لم يقل عدد علمائهم عن خمسة عشر عالما ، رغم أنهم بيوت قلائل تعد على رؤوس الأصابع. 
ولقد كان هذا الحي في أيام صبا هذا الشاعر يحفل بكثير من جهابذة العلماء أمثال: المختار بن ألما (ت: 1309)، المختار بن جنكي (ت:1321)، زين بن اجمد (ت: 1358)، المحبوبي بن المختار (ت: 1316)، محمد بن المحبوبي (ت: 1335)،محمد بن إمام (ت: 1362)، أحمدو بن زيادنا (ت: 1324)، وغير هؤلاء، فكان من الطبيعي أن ينشأ على طلب العلم والتعلم به، هذا فضلا عن الوسط اليدالي بأكمله، فالقبيلة قد أخرجت شعراء أفذاذا أمثال محمد اليدلي (ت: 1166)، وألما بن المصطفى (عاش في القرن الثاني عشر)، وحتى الشاعرات مثل: يمه بنت سيد الهادي (عاشت 1200-1300)، فإذا كان هذا الوسط وسط علميا، أدبيا، فليس من الغريب إذن أن يفتح الشاعر عينيه عل طلب العلم. 
III -دراسته وأساتذته: 
لقد بدأ كعادة الموريتانيين بتعلم القرآن حيث درس على ميمونة بن محمد بن اليدالي ، وكانت من أحفظ نساء الحي ولم يحوجها قط إلى ضرب أو شتم لأنه لم يفعل ما يسمى محليا بغدر( وهو جميع المخالفات التي تنم عن عدم الاكتراث بالدراسة) كما أخذ بعض القرآن عن أحمدبن محمذن واها ، إلى أن حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره. 
بعد ذلك درس في المحظرة مبادئ النحو والفقه على والده سيدي (ت: 1333)، وعلى العلامة محمد بن المحبوبي اليدالي (1282-1335هـ) الذي درس عليه في مرحلة لاحقة ألفية السيوطي ، وألفيته في البلاغة، ودرس عليه أيضا السلم المرونق في علم المنطق للأخضري ، وكان يعرض عليه شعره حتى قال قصيدته: النص (رقم:3)
ربا قد أقفرت قبل الرباب ألا مـروا بتيـلكم الربا بي 
فأمره بقراءتها في المسجد .
ولكي يتفرغ شاعرنا من المشاغل المنزلية ارتحل إلى شيخ الشيوخ يحظيه بن عبد الودود (2265-1358هـ)، ودرس عليه ألفية ابن مالك مع احمرار ابن بونه ، ومختصر خليل بن إسحاق ، وإضاءة الدجنة للمقري . 
وكان الشيخ يحظيه يحيط الشاعر بعناية فائقة ومن ذلك أن رشحه لصلاة الاستسقاء فصلى وأتى المطر بإذن الله، ومنه أنه كان يعزم ذات مرة على الرحيل غدا، فأمره بتقديم قراءة يوم غد الذي قد لا تتيسر فيه الدراسة لكونه يوم رحيل . 
ثم انتقل الشاعر بعد ذلك إلى العلامة الفهامة محمد فال (ببها) بن محمذ بن أحمد بن العاقل الأبهمي (ت: 1334) وعاود عنده دراسة بعض الأبواب من ألفية السيوطي في البلاغة، وأخذ عنه الحديث والتفسير وعلم الكلام والسيرة النبوية. 
وقد درس الشاعر أيضا على العالم اللغوي أحمد بن اجمد اليدالي (ت: 1354هـ) كثيرا من اللغة والأنظام، ودون عنده الكثير من ذلك. 
بعد ذلك أخذ المنطق عن العلامة حامد بن محمذن بن محنض باب بن اعبيد الديماني (1272هـ-1363هـ). 
IV- محظرته وتلامذته: 
ما إن تخرج هذا العلامة من المدرسة المحظرية حتى جلس لتدريس العلم ممثلا بذلك محظرة آل حمينه أفضل تمثيل، بعد أن تزوج من العالمة الصالحة توت بنت محمد بن المحبوبي اليدالية (1312-1386هـ) فأقبل عليه الطلاب من كل حدب وصوب يدرسهم كافة الفنون المحظرية مما جعل تعليمه إيجابيا لدرجة كبيرة، ومن ميزته أنه كان يدرس المتون التي لم تسبق له دراستها؛ لشدة ذكائه، فقد درس العلامةَ البشير بن جنكي احمرار الحسن بن زين (ت: 1315) على لامية الأفعال ولم يكن درسه من قبل فأنكر عليه ذلك فسأله عن معنى غامض في الطرة على وجه الاختبار فأجاد الإجابة فسلم له في تدريسها . 
وقد درس على الشاعركل من: 
- الشفيع بن المحبوبي اليدالي (ت: 1407هـ) 
- محمذن بابه بن داداه الأبهمي (ت: 1395هـ) 
- محمد عبد الله بن الدما اليدمسي (ت:1983م ) 
- أحمدو باب بن المنجي اليدمسي (ت: 1984م) 
- لمرابط بن حومل اليعقوبي (ولد: 1348هـ) 
- محمدن (ابنه) (ت: 1413هـ) 
- بداه بن البوصيري (ولد: 1337هـ) 
- البشير بن جنكي اليدالي (ولد: 1321هـ) 
- إسحاق بن المحبوبي اليدالي (ت: 1410) 
- عمر بن المحبوبي (ت: 1379هـ) 
- محمذن بن سيد الأمين اليدالي (ت: 1413) 
- أحمدو بن أبي بكر التندغي (ت: 1385هـ) 
- محمد بن ألفغ عبد الله الأبهمي (ت: 1334هـ) 
- أحمدو بن اتاه بن حمينا اليدالي 
- المختار بن عبد الله بن حمينا اليدالي 
- محمد الحسن بن أحمدو الخديم اليعقوبي (ولد: 1939م) 
- كراي بن أحمد يوره الأبهمي (ت: 1419هـ)
- محمدن بن تكرور الموسوي (ولد: 1348) 
V- آثاره: 
لقد كان محمد بن حمينا من مشاهير المؤلفين، وتمتاز تآليفه في غالبها بالواقعية ومعالجة المستجدات في الفقه، كما كانت فتاواه ممتازة بكثير من التحري ودقة الفهم. 
ومن مؤلفاته: 
1-"رفع الحرج عن المسلمين بعد الذين ضيقوا عليهم في الدين" وقد قدمه بقسم الإنجليزية مترجما الأستاذ المصطفى بن حمينا بعنوان: تقديم، ترجمة ونقاش رسالة محمد بن حمينا للذين حرموا تعلم اللغات الأجنبية. 
2-تأليف في حكم استحقاق الجزء الشائع من موصوف معين، بين فيه أنه يرجع فيه بالقيمة لا بالذات 
3-منع الإقدام على نقض أحكام الحكام. 
4-الفقهيات الكبريات: تأليف يبلغ 5 صفحات من الحجم المتوسط. 
5-إحياء الموات:وقد أثبت فيه أن الإحياء إنما هو بعرف البلد، يقع في 43 ص.وقد حظي بكثير من التقاريظ. 
6-كشف القناع في الفرق بين مالك المنفعة والانتفاع، يقع في ثلاث ورقات. 
7-تأليف فيما يعتبر من الحيازة ومالا يعتبر، يصل إلى 5 صفحات تقريبا. 
8-تأليف في توزيع الضرائب، بين فيه أنه يعتبر فيها مقصد واضعه. 
9-فتوى في الحبس، قصيرة تبلغ نصف صفحة تقريبا. 
10-نظم في المنطق لعكوس الموجهات وطرة عليه، يقعان في 42 بيتا. 
11-نظم أسماء الله الحسنى ويقع في 99 بيتا. 
12-نصيحة نثرية عامة تقع في ورقتين. 
13-رسالة قصيرة وجهها إلى كل من العلامة المختار بن المحبوبي (ت:1391هـ) والعلامة محمد سالم بن ألما (ت: 1383هـ) وأشباههما. 
14-ثلاث ورقات في ترجمة مختصر وتعاليق على بعض غوامضه. 
15-أنظام كثيرة في الفقه والنحو وغيرهما. 
16-ديوان شعري لا بأس به وهو الذي نحن بصدد تحقيقه ودراسته. 
VI- فضله: 
ليس الشعر هو السمة الأساسية لصاحب الديوان المحقق بل إن العلم والفضل والتقوى هي التي كانت تمثل سماته الأساسية، فهو إذن قبل كل شيء عالم فقيه فقد كان من أبرز علماء عصره، وسيدا من سادة قبيلته أبيا مترفعا عن الدنايا شاعرا متصوفا، يجعل السياسة ستارا يخفي وراءه الزهد عن أعين الناس، وقد شهد له كثير من العلماء بالفضل والسبق مثل:
حامدن بن ببها (ت 1405هـ) حيث يصفه في إحدى رسائله بأنه «العالم الجامع لجميع أصول العلم والفقه والحديث والنحو والمنطق والبيان المحرر لكل فن كما ينبغي والحافظ للقرآن وهو من أعلم وأسن أساتذة الزمان». وقد اشتهر بدقة الفهم وحدة الذكاء فكان على درجة من الذكاء لافتة للانتباه ومن ذلك شهادة العلامة حبيب بن الزايد (1290-1364هـ) له بأنه من أفهم قبيلته فيقول:« إن أفهم إدوداي عنده محمد بن المحبوبي ومحمد بن حمينه» وأنصت إلى المختار بن حامدن (ت 1414هـ) إذ يصفه بأنه: كان رئيسا عالما مدرسا قاضيا مفتيا مؤلفا شاعرا أديبا بعيد الغور ثاقب الفهم .
وكان يجمع بين الشؤون السياسية وخلطة الناس وبين العبادة والتهجد وقيام الليل والتدريس، وقد قدمه أهل الحل والعقد في حيه وشهدوا له بالاستقامة والصدق وجعلوه على أمورهم وشؤونهم الخارجية إذ كان (chef) أي مسؤولا عن شؤون القبيلة لدى المستعمر.
شعره: 
لقد ظل يقرض الشعر بشقيه الفصيح والحساني_وإن لم يكن هذا الأخير كثيرا_ طيلة 66 سنة منذ أن قال قصيدته البائية (النص 3) وحتى قبيل وفاته حين قال في الوعظ: 
الحاذك فامر حك اكيس يوزن الامور ابحكم اللــ(ه)
أو يترك عن نزغات ابليس ايلزم بيت الل لمصـل 
وقد شهد له معاصروه بجودة القريحة والشاعرية، إلا أن شعره لم يكن كثيرا وذلك راجع إلى كونه مقيدا في الغالب بالمناسبات، وسنعرض لذلك بشيء من التفصيل في الفصل اللاحق إن شاء الله. 
XI- وفاته: 
توفي رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه عنا وعن أمة الإسلام خيرا كثيرا ليلة الجمعة بعد أن أم الناس في صلاة العشاء بالمسجد وكان ذلك في 26 صفر 1388هـ الموافق 6يونيو 1968م بعد حياة حافلة بالعطاء المتميز والأخذ المستمر.
بقلم الدكتور أحمدُبن آكاه جزاه الله خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق